أضواء على حياة العلامة أحمد رضا القادري البريلوي وخدماته العلمية والدينية
◆ــــــــــــــــــــ۩۞۩ـــــــــــــــــــــ◆
هو شيخ الإسلام والمسلمين (ت ١٣٤٠ هـ) مجدد الأمة الإمام أحمد رضا ابن الشیخ مولانا نقى على خان القادري الحنفى البريلوى كان من أكابر علماء الهند ونوابغ القرآن الرابع عشر الهجري، يندر نظيره في عصره بل في عدة قرون ماضية، فإنه رئيس المفسرین وإمام المحدثين، وأفقه العلماء، وأجود المتكلمين في المعاصرين له طول الباع فی نحو خمسين علما وصنف فى جميعها فهذا مما تفرد به الشيخ فإن أحدا من المتقدمين. لم يصنف في أكثر من خمسة وثلثين فناً.
ولد في مدنية بانس بريلى بالهند الشمالية فى العاشر من شهر شوالو١٢٧٢ الموافق ١٤ يونيو ١٨٥٦م. وتوفى ٢٥ صفر عام ١٣٤٠هـ الموافق ٢٨ اکتوبر ١٩٢١ م وكان اليوم يوم الجمعة.
تشرف بزيارة الحرمين مرتين مرة سنة ٩٦ - ١٢٩٥هـ وأخرى سنة ٢٤ - ١٣٢٣ فقام في مدة إقامته في الحجار بالبحوث العلمية والمناقشات مع أكابر العلماء، وصنف عدۃ تصنيفات، واعترف علماء الحرمين الشرفين برئاسته فى العلوم الإسلامية، ونوهو بشانه وأجلوه إجلالا كبيرا. وجديرة بالذكر في هذا المقام واقعتان تشهدان بفقاعته الراسخة، وذهنه الوقاد وفكره البالغ واعتراف علماء الحجاز بعلو كعبه في العلوم.
(1) سافر الى الحرمين الشريفين فى السادس والعشرين من شوال سنة ١٢٩٥ھ مع أبويه الكريمين وهو اذ ذاك ابن ثلث وعشرين سنة. فوقع له في هذه الزيارة الكريمة أنه كان یوما يصلى في مقام إبراهيم فلما انصرف عن صلوته استقبله الشيخ حسين بن صالح كمال إمام الشافعية (المتوفی ١٣٠٣هـ، ١٨٨٤ م) مع أن التعارف بينهما لم يكن قط فأتى وأخذ بيد الشیخ أحمد رضا ومشى به إلى بيته، وقال مرارا واضعا يده على جبهته المشرقة والله إنی لأجد نور الله في هذا الجبين ثم رقم بيده إجازة الحديث وإجازة الطريقة القادرية ومنحها الإمام أحمد رضا وقال اسمك ضياء الدين أحمد واقترح عليه إمام الشافعية أن يصنفشرحا لكتابه "الجوهرة المضيئة فشرحها شرحاً وافياً في يومين فقط سماہ" النيرة الوضیئة في شرح الجوهرية المضيئة ثم علق عليها تعليقا سماہ الطرة الوضية على النيرة الوضيئة۔
(۲) ومما وقع في رحلته الثانية إلى الحجار المقدسة ما بينه في بعض تصانيفه. استفتاني الشيخ عبد الله مرداد والشيخ حامد أحمد محمد الجداوي في ورقة النقد (النوط) وكان الاستفتاء يحتوى على اثنی عشر سوالا فصنفت مجيبا عنها رسالتي كفل الفقیه الفاهم في أحكام قرطاس الدراهم (١٣٢٤هـ) في نحو يومين بكمال الاستعجال.
كانت الرسالة عند الشيخ السيد مصطفى الأخ الصغير للشيخ السيد السمعيل في مكتبة الحرم لیبیضه فإن خطه في غاية الرشاقة والحسن وفي السابق الزمان سئل أستاذ أساتذتی فضيلة الشيخ جمال بن عبد الله بن عمر المكي مفتى الحنفية عن ورق النقد فأجاب العلم أمانة في أعناق العلماء المسئلة حديثة ولم أطلع على جزئية فيها. والله أعلم.
ذھبت يوما إلى مكتبة الحرم فإذا أنا بشيخ جليل يطالع رسالتي كفل الفقيه فلما بلغ المقام الذي أوردت فيه العبارة التالية من فتح القدير لو باع كاغذۃ بألف يجوز ولا يكره تهلل بشرا و ضرب على فخذه قائلا أين كان جمال بن عبد الله من هذا النص الصريح ثم استخرج كتبا لتحقيق مسئلۃ، وأراد أن ينقل شيئا من عبارات الكتب، وكنت. مشتغلا بتصحيح نقل الرسالة فلا عرفنى ولا عرفته إلى ذلك الحين واذا هو قد وضع الدواۃ على كتاب لم يكن يطالعه ولا ينقل منه فما أنكرت عليه بل وضعت الدواة عن الكتاب تعظيما له فوضع ثانيا على الكتاب وقال في كتاب الكراهية من البحر الرائق تصریح بجوازه، فلم أقل له لم يصل البحر الرائق إلى كتاب الكراهية بل انقضى قبله. نعم قلت له ليس كذلك، بل صرح البحر بالمنع إلا أن يحتاج إليه حين النقل والكتابة مثل أن يطير الورق بالريح وأريته ذلك التصريح في البحر الرائق فقال: إنما اريد النقل والكتابة.
قلت: لكن لست الآن كاتبا وناقلا منه. فسكت وسأل عنى السيد اسمعيل فقال له "هذا هو مصنف هذه الرسالة فقابلنى
لكن خجلا ثم رجع عجلا . " وذلك في الرابع من صفر المظفر ١٣٢٤هـ. وذلك الشيخ الجليل كان مفتى الحنفية عبد الله بن صديق بن عباس ومنصب مفتی الحنفية خكان بالمنزلة الثانية من السلطان. وهذا هو المنصب الذي منعه من لقاء الشيخ احمد رضا قبل ذلك اليوم.
فلم يات إلى مكان اقامته بل دعاه إلى بيته فأراد الشيخ أن يجيب الدعوة و يقابله. لكن قال السيد اسمعيل محافظ مكتبة الحرم: والله لن يكون هذا، أكابر العلماء يأتونك للقاءك فلم لا يأتى هو. فامتنع الشيخ أحمد رضا ليمين السيد المحترم رحمهم الله جميعا. ومجمل انطباعات علماء المدينة المنورة ما أبداه الشيخ الصالح محمد كريم الله الفنجابي مجاور الحرم المدنى تلميذ الشيخ عبد الحق الاله آبادي المهاجر المكي. (المتوفى۱۳۳۳ هـ )وقال للإمام أحمد رضا :
إني مقيم بالمدينة الأمينة منذ سنين و ياتيها ألوف من العالمين. فيهم علماء وصلحاء وأتقياء. ورأيتهم يدورون في سكك البلد لا يلتفت إليهم من أهله أحد. وأرى العلماء والكبار العظماء إليك مهرعين، وبإجلا لك مسرعين. ذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
(٣) ومن أراد الإطلاع على تفصيل ما أعرب علماء الحرمين المكرمين من انطباعاتهم الجميلة في الإمام أحمد رضا فليراجع إلى الكتب التالية. فكلها مطبوعة توجد في المكتبات والنوادي العلمية:
(۱) فتاوى الحرمين برجف ندوة المين (٤) (١٣١٧هـ )
(۲) حسام الحرمين على منحر الكفر والمين (٥) (١٣٢٤ هـ )
( ۳) الاجازات المتينة لعلماء بكة والمدينة. (١٣٢٤ هـ )
(٤) كفل الفقيه الفاهم فى أحكام قرطاس الدراهم. (١٣٢٤هـ)
(٥) الفاضل البريلوى كما يراه علماء الحجاز . بالأردية. للبر وفيسور محمد مسعود
أحمد المجددي.
ومن أحسن الدلائل على مقدرته الهائلة على خمسين فنا مؤلفاته فيها
(٦) فان تصانیفه لیست جمعا وتلفيقا واجتناء من الكتب السابقة فحسب. مثل مؤلفات بعض التصفين من معاصرية بل هي تزخر وتتدفق بأبحاث وتحقيقات وإفادات وإفاضات لم
یسبق إليها ولم يسمح بها قلم ولا كتاب.
منها مجموعة كبرى الفتاواه فى اثنى عشر مجلدا، كل مجلد يحتوى على نحو ألف صفحة تسمى "بالعطايا النبوية في الفتاوى الرضوية" تدل على سعة اقتداره في الفقه والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية والعقلية كما لا يخفى على من تشرف مطالعتها.
كانت له ملكة استنباط الأحكام فى المسائل الحديثة التي لا يوجد فيها نص من القدماء، وإذا وجد النص تورع عن الاستنباط من القرآن والحديث إلا لحاجة تدعو إليه.
يقول: ليس للمقلد أن يجتهد ويستنبط من الأصلين بل عليه أن يقتنع بما بينه أئمة المذهب وبما صححه ورجحه الفقهاء. ومن أراد شيئا من تفصيل عبقريته في الفقه والأصول فليراجع إلى مقدمة الاستاذ افتخار أحمد القادري على جد الممتاز (۷) للإمام أحمد رضا ومقدمتي عليه.
وقصارى القول أنه لا يوجد في تاريخ الفتاوى أي مجموعة أجل وأعظم من العطايا النبوية في الفتاوى الرضوية. ولا يعدها أرباب العلم والفتوى في درجة الفتاوى بل هي معدودة في درجة الشروح المعتبرة الجليلة. ورأى العلامة السيد اسمعيل خليل حافظ مكتبة الحرم المكى بعض فتاوى الإمام فكتب إليه: والله أقول والحق أقول إنه لورآها أبو حنيفة النعمان الأقرت عينه ، ولجعل مؤلفها من جملة الأصحاب
(۸) و أکثر فتاویٰ الإمام أحمد رضا في الأردية، وبعضها في الفارسية والعربية، فكان دأبه الاجابۃ باللغۃ التی سئل فیھا. أما مصنفاتها الأخرى فهى ايضا في هذه اللغات الثلث. لكن كثيرا ما يكون تحقيقاتها العلمية الهامة فى العربية لميله الطبيعي إليها. كأنها لغته الوطنية، فإنا نرى ونحس في تصانيفه الأردية والفارسية أيضا أن الأبحاث العلمية تتجلى في ذهنه الثاقب بالعربية أولا ثم يحولها الى اللغة الأخرى. كما سيظهر على من تأمل في مصنفاته من الذين تمكنوا من العربية والأدرية أو الفارسية معا إلا أنه كثيرا ما يورد (و أحيانا يخترع و بيتكر) الأمثال و المحاورات الأردية والفارسية خاصة في تصانيفه الكلامية وغيرها حين المخاطبات والإفادات.
وليس ذلك الا لعظيم اقتداره على الأردية والعربية والفارسية جميعا. ولكن تجلي الأبحاث العلمية في ذهنه بالعربية يدل على ميله الطبيعي إليها.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من تمكنه من العلوم الكثيرة كان شاعرا مجيدا. مع ان الإجادة في الشعر و النشر معا ندرت منذ قديم الزمان، أما الإجادة في النشر و النظم مع الإجادة في البحوث العلمية الدقيقة اليابسة فأقل وأندر.
يمتاز شعره بالطابع الإسلامي والفكر الديني، وتتجلى فيه الروعة الأدبية والبراعة الفنية، ويتقوى بالآيات القرانية والأحاديث النبوية ونصوص الأئمة، وإلى جانب ذلك فكره القويم وذوقه السليم، وكل ذلك يعجب الأسماع، وينشط الأذهان و ينير الأفكار و يهز المشاعر و يرهف العواطف.
وأكثر شعره في المديح النبوى وليس ذلك إلا لعميق صلته بالنبي صلى الله عليه وسلم وتمكن حبه الكريم على سوداء قلبه. فكان لا يكاد يمسك ما في ضميره من عواطف الحب ودواعى التعظيم والإجلال فتتشكل صورة الشعر. ومع ذلك لا يوجد في أي بيت له علو ولا تقصير، ولا أي لفظ مما لا يحسن استعماله في حضرة النبي الكريم عليه أفضل الصلوة وأكرم التسليم.
وشعره ايضا باللغات الثلثة مع غاية الجمال والفصاحة والسلاسة واعترف بها أدباء اللغات الثلث ولو لا مخافة الإملال لذكرت بعض انطباعاتهم. وأما أفكاره العالية وتخييلاته الدقيقة ومعانيه النبيلة فمما لا يحول دونه فكر أحد من الشعراء الأجلة المعاصرين.
وقد طبعت مجموعة شعره "حدائق بخشش (١٣٢٥هـ) وعني بها الشعراء العادلون والأخبار الناقدون في الهند وباكستان. أكثرها بالأردية وقليل منها بالفارسية لكنها تكفى شهادة لبراعته فى الشعر الفارسي. أما شعره العربي فلم يجمع نعم يوجد منه قليل متفرق في بعض تصانيفه كالفتاوى الرضوية والطاري الداري وغيرهما. وأحسن طريق لمن أراد البحث عن نبوغ الامام أحمد رضا في العلوم والفنون أن يطالع تصانيفه الجليلة مطالعة عميقة أنيقة. انه سيجد أكثر وأبلغ مما وصفناه و يستخرج كنوزا من الحقائق الثمينة والمعارف الغالية والأبحاث المتينة والأفكار الدقيقة مع قلة المبانى و کثرۃ المعانی.
و الله الموفق للخیر و بنعمته تتم الصالحات.
◆ــــــــــــــــــــ۩۞۩ـــــــــــــــــــــ◆
هو شيخ الإسلام والمسلمين (ت ١٣٤٠ هـ) مجدد الأمة الإمام أحمد رضا ابن الشیخ مولانا نقى على خان القادري الحنفى البريلوى كان من أكابر علماء الهند ونوابغ القرآن الرابع عشر الهجري، يندر نظيره في عصره بل في عدة قرون ماضية، فإنه رئيس المفسرین وإمام المحدثين، وأفقه العلماء، وأجود المتكلمين في المعاصرين له طول الباع فی نحو خمسين علما وصنف فى جميعها فهذا مما تفرد به الشيخ فإن أحدا من المتقدمين. لم يصنف في أكثر من خمسة وثلثين فناً.
ولد في مدنية بانس بريلى بالهند الشمالية فى العاشر من شهر شوالو١٢٧٢ الموافق ١٤ يونيو ١٨٥٦م. وتوفى ٢٥ صفر عام ١٣٤٠هـ الموافق ٢٨ اکتوبر ١٩٢١ م وكان اليوم يوم الجمعة.
تشرف بزيارة الحرمين مرتين مرة سنة ٩٦ - ١٢٩٥هـ وأخرى سنة ٢٤ - ١٣٢٣ فقام في مدة إقامته في الحجار بالبحوث العلمية والمناقشات مع أكابر العلماء، وصنف عدۃ تصنيفات، واعترف علماء الحرمين الشرفين برئاسته فى العلوم الإسلامية، ونوهو بشانه وأجلوه إجلالا كبيرا. وجديرة بالذكر في هذا المقام واقعتان تشهدان بفقاعته الراسخة، وذهنه الوقاد وفكره البالغ واعتراف علماء الحجاز بعلو كعبه في العلوم.
(1) سافر الى الحرمين الشريفين فى السادس والعشرين من شوال سنة ١٢٩٥ھ مع أبويه الكريمين وهو اذ ذاك ابن ثلث وعشرين سنة. فوقع له في هذه الزيارة الكريمة أنه كان یوما يصلى في مقام إبراهيم فلما انصرف عن صلوته استقبله الشيخ حسين بن صالح كمال إمام الشافعية (المتوفی ١٣٠٣هـ، ١٨٨٤ م) مع أن التعارف بينهما لم يكن قط فأتى وأخذ بيد الشیخ أحمد رضا ومشى به إلى بيته، وقال مرارا واضعا يده على جبهته المشرقة والله إنی لأجد نور الله في هذا الجبين ثم رقم بيده إجازة الحديث وإجازة الطريقة القادرية ومنحها الإمام أحمد رضا وقال اسمك ضياء الدين أحمد واقترح عليه إمام الشافعية أن يصنفشرحا لكتابه "الجوهرة المضيئة فشرحها شرحاً وافياً في يومين فقط سماہ" النيرة الوضیئة في شرح الجوهرية المضيئة ثم علق عليها تعليقا سماہ الطرة الوضية على النيرة الوضيئة۔
(۲) ومما وقع في رحلته الثانية إلى الحجار المقدسة ما بينه في بعض تصانيفه. استفتاني الشيخ عبد الله مرداد والشيخ حامد أحمد محمد الجداوي في ورقة النقد (النوط) وكان الاستفتاء يحتوى على اثنی عشر سوالا فصنفت مجيبا عنها رسالتي كفل الفقیه الفاهم في أحكام قرطاس الدراهم (١٣٢٤هـ) في نحو يومين بكمال الاستعجال.
كانت الرسالة عند الشيخ السيد مصطفى الأخ الصغير للشيخ السيد السمعيل في مكتبة الحرم لیبیضه فإن خطه في غاية الرشاقة والحسن وفي السابق الزمان سئل أستاذ أساتذتی فضيلة الشيخ جمال بن عبد الله بن عمر المكي مفتى الحنفية عن ورق النقد فأجاب العلم أمانة في أعناق العلماء المسئلة حديثة ولم أطلع على جزئية فيها. والله أعلم.
ذھبت يوما إلى مكتبة الحرم فإذا أنا بشيخ جليل يطالع رسالتي كفل الفقيه فلما بلغ المقام الذي أوردت فيه العبارة التالية من فتح القدير لو باع كاغذۃ بألف يجوز ولا يكره تهلل بشرا و ضرب على فخذه قائلا أين كان جمال بن عبد الله من هذا النص الصريح ثم استخرج كتبا لتحقيق مسئلۃ، وأراد أن ينقل شيئا من عبارات الكتب، وكنت. مشتغلا بتصحيح نقل الرسالة فلا عرفنى ولا عرفته إلى ذلك الحين واذا هو قد وضع الدواۃ على كتاب لم يكن يطالعه ولا ينقل منه فما أنكرت عليه بل وضعت الدواة عن الكتاب تعظيما له فوضع ثانيا على الكتاب وقال في كتاب الكراهية من البحر الرائق تصریح بجوازه، فلم أقل له لم يصل البحر الرائق إلى كتاب الكراهية بل انقضى قبله. نعم قلت له ليس كذلك، بل صرح البحر بالمنع إلا أن يحتاج إليه حين النقل والكتابة مثل أن يطير الورق بالريح وأريته ذلك التصريح في البحر الرائق فقال: إنما اريد النقل والكتابة.
قلت: لكن لست الآن كاتبا وناقلا منه. فسكت وسأل عنى السيد اسمعيل فقال له "هذا هو مصنف هذه الرسالة فقابلنى
لكن خجلا ثم رجع عجلا . " وذلك في الرابع من صفر المظفر ١٣٢٤هـ. وذلك الشيخ الجليل كان مفتى الحنفية عبد الله بن صديق بن عباس ومنصب مفتی الحنفية خكان بالمنزلة الثانية من السلطان. وهذا هو المنصب الذي منعه من لقاء الشيخ احمد رضا قبل ذلك اليوم.
فلم يات إلى مكان اقامته بل دعاه إلى بيته فأراد الشيخ أن يجيب الدعوة و يقابله. لكن قال السيد اسمعيل محافظ مكتبة الحرم: والله لن يكون هذا، أكابر العلماء يأتونك للقاءك فلم لا يأتى هو. فامتنع الشيخ أحمد رضا ليمين السيد المحترم رحمهم الله جميعا. ومجمل انطباعات علماء المدينة المنورة ما أبداه الشيخ الصالح محمد كريم الله الفنجابي مجاور الحرم المدنى تلميذ الشيخ عبد الحق الاله آبادي المهاجر المكي. (المتوفى۱۳۳۳ هـ )وقال للإمام أحمد رضا :
إني مقيم بالمدينة الأمينة منذ سنين و ياتيها ألوف من العالمين. فيهم علماء وصلحاء وأتقياء. ورأيتهم يدورون في سكك البلد لا يلتفت إليهم من أهله أحد. وأرى العلماء والكبار العظماء إليك مهرعين، وبإجلا لك مسرعين. ذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
(٣) ومن أراد الإطلاع على تفصيل ما أعرب علماء الحرمين المكرمين من انطباعاتهم الجميلة في الإمام أحمد رضا فليراجع إلى الكتب التالية. فكلها مطبوعة توجد في المكتبات والنوادي العلمية:
(۱) فتاوى الحرمين برجف ندوة المين (٤) (١٣١٧هـ )
(۲) حسام الحرمين على منحر الكفر والمين (٥) (١٣٢٤ هـ )
( ۳) الاجازات المتينة لعلماء بكة والمدينة. (١٣٢٤ هـ )
(٤) كفل الفقيه الفاهم فى أحكام قرطاس الدراهم. (١٣٢٤هـ)
(٥) الفاضل البريلوى كما يراه علماء الحجاز . بالأردية. للبر وفيسور محمد مسعود
أحمد المجددي.
ومن أحسن الدلائل على مقدرته الهائلة على خمسين فنا مؤلفاته فيها
(٦) فان تصانیفه لیست جمعا وتلفيقا واجتناء من الكتب السابقة فحسب. مثل مؤلفات بعض التصفين من معاصرية بل هي تزخر وتتدفق بأبحاث وتحقيقات وإفادات وإفاضات لم
یسبق إليها ولم يسمح بها قلم ولا كتاب.
منها مجموعة كبرى الفتاواه فى اثنى عشر مجلدا، كل مجلد يحتوى على نحو ألف صفحة تسمى "بالعطايا النبوية في الفتاوى الرضوية" تدل على سعة اقتداره في الفقه والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية والعقلية كما لا يخفى على من تشرف مطالعتها.
كانت له ملكة استنباط الأحكام فى المسائل الحديثة التي لا يوجد فيها نص من القدماء، وإذا وجد النص تورع عن الاستنباط من القرآن والحديث إلا لحاجة تدعو إليه.
يقول: ليس للمقلد أن يجتهد ويستنبط من الأصلين بل عليه أن يقتنع بما بينه أئمة المذهب وبما صححه ورجحه الفقهاء. ومن أراد شيئا من تفصيل عبقريته في الفقه والأصول فليراجع إلى مقدمة الاستاذ افتخار أحمد القادري على جد الممتاز (۷) للإمام أحمد رضا ومقدمتي عليه.
وقصارى القول أنه لا يوجد في تاريخ الفتاوى أي مجموعة أجل وأعظم من العطايا النبوية في الفتاوى الرضوية. ولا يعدها أرباب العلم والفتوى في درجة الفتاوى بل هي معدودة في درجة الشروح المعتبرة الجليلة. ورأى العلامة السيد اسمعيل خليل حافظ مكتبة الحرم المكى بعض فتاوى الإمام فكتب إليه: والله أقول والحق أقول إنه لورآها أبو حنيفة النعمان الأقرت عينه ، ولجعل مؤلفها من جملة الأصحاب
(۸) و أکثر فتاویٰ الإمام أحمد رضا في الأردية، وبعضها في الفارسية والعربية، فكان دأبه الاجابۃ باللغۃ التی سئل فیھا. أما مصنفاتها الأخرى فهى ايضا في هذه اللغات الثلث. لكن كثيرا ما يكون تحقيقاتها العلمية الهامة فى العربية لميله الطبيعي إليها. كأنها لغته الوطنية، فإنا نرى ونحس في تصانيفه الأردية والفارسية أيضا أن الأبحاث العلمية تتجلى في ذهنه الثاقب بالعربية أولا ثم يحولها الى اللغة الأخرى. كما سيظهر على من تأمل في مصنفاته من الذين تمكنوا من العربية والأدرية أو الفارسية معا إلا أنه كثيرا ما يورد (و أحيانا يخترع و بيتكر) الأمثال و المحاورات الأردية والفارسية خاصة في تصانيفه الكلامية وغيرها حين المخاطبات والإفادات.
وليس ذلك الا لعظيم اقتداره على الأردية والعربية والفارسية جميعا. ولكن تجلي الأبحاث العلمية في ذهنه بالعربية يدل على ميله الطبيعي إليها.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من تمكنه من العلوم الكثيرة كان شاعرا مجيدا. مع ان الإجادة في الشعر و النشر معا ندرت منذ قديم الزمان، أما الإجادة في النشر و النظم مع الإجادة في البحوث العلمية الدقيقة اليابسة فأقل وأندر.
يمتاز شعره بالطابع الإسلامي والفكر الديني، وتتجلى فيه الروعة الأدبية والبراعة الفنية، ويتقوى بالآيات القرانية والأحاديث النبوية ونصوص الأئمة، وإلى جانب ذلك فكره القويم وذوقه السليم، وكل ذلك يعجب الأسماع، وينشط الأذهان و ينير الأفكار و يهز المشاعر و يرهف العواطف.
وأكثر شعره في المديح النبوى وليس ذلك إلا لعميق صلته بالنبي صلى الله عليه وسلم وتمكن حبه الكريم على سوداء قلبه. فكان لا يكاد يمسك ما في ضميره من عواطف الحب ودواعى التعظيم والإجلال فتتشكل صورة الشعر. ومع ذلك لا يوجد في أي بيت له علو ولا تقصير، ولا أي لفظ مما لا يحسن استعماله في حضرة النبي الكريم عليه أفضل الصلوة وأكرم التسليم.
وشعره ايضا باللغات الثلثة مع غاية الجمال والفصاحة والسلاسة واعترف بها أدباء اللغات الثلث ولو لا مخافة الإملال لذكرت بعض انطباعاتهم. وأما أفكاره العالية وتخييلاته الدقيقة ومعانيه النبيلة فمما لا يحول دونه فكر أحد من الشعراء الأجلة المعاصرين.
وقد طبعت مجموعة شعره "حدائق بخشش (١٣٢٥هـ) وعني بها الشعراء العادلون والأخبار الناقدون في الهند وباكستان. أكثرها بالأردية وقليل منها بالفارسية لكنها تكفى شهادة لبراعته فى الشعر الفارسي. أما شعره العربي فلم يجمع نعم يوجد منه قليل متفرق في بعض تصانيفه كالفتاوى الرضوية والطاري الداري وغيرهما. وأحسن طريق لمن أراد البحث عن نبوغ الامام أحمد رضا في العلوم والفنون أن يطالع تصانيفه الجليلة مطالعة عميقة أنيقة. انه سيجد أكثر وأبلغ مما وصفناه و يستخرج كنوزا من الحقائق الثمينة والمعارف الغالية والأبحاث المتينة والأفكار الدقيقة مع قلة المبانى و کثرۃ المعانی.
و الله الموفق للخیر و بنعمته تتم الصالحات.
◆ــــــــــــــــــــ۩۞۩ـــــــــــــــــــــ◆
🖊️: للشیخ محمد أحمد المصباحي رئیس المدرسین بالجامعة الاشرفیة مبارڪ فور أعظم جراہ الھند
🖊️: للشیخ محمد أحمد المصباحي رئیس المدرسین بالجامعة الاشرفیة مبارڪ فور أعظم جراہ الھند